عندما تتكلم '' التيفناغ ''
قراءة في ديوان '' tilmi n wadu '' للشاعر ابراهيم أكيل
قراءة في ديوان '' tilmi n wadu '' للشاعر ابراهيم أكيل
لطالما كانت الطبيعة – بمختلف مكوناتها – المصدر الأول والرئيسي لإلهام الشاعر ، أو قل شيطانه المعطاء .. فأضحت النوق والفيافي وأشجار النخيل والشمس والقمر .. أوعية تغرف منها أبيات وسطور شعرية على مدى العصور ، من عهد الشنفرى و المهلهل إلى عهد ما بعد العولمة والرقاقات الإلكترونية ... فلم تستهوه جوارح الحضارة ونمارق العولمة ، فأصبح بمعزل عنها ، وآثر خلوته مع ما صنعته الذات الإلهية التي لايشوبها نقص ولا اختلال ، إنه سلطان الطبيعة البريئة .. ولعل شاعرنا " إبراهيم أكيل " كان أشد شعورا بسعادة الخلوة من سواه ... فأخذ يتجاذب أطراف الحديث معها ، وما حديثهما إلا سجال من التشاكي .. طال حديثهما ، فقص كل منهما على الآخر ما لقيه أو أحسه ، ومرجع الحديث كان لواعج النفس وما تضمره الروح .. إنها السعادة الحقيقية لشاعر .. لكن ومع جأشه الرابط ، هذا لايعني أن نفسه الحزينة لم تكن أحوج للعزاء !!
يضم الديوان المعنون ب tilmi n wadu ( نسج الهواء ) بين دفتيه 22 قصيدة متصدرة بإهداء للمؤلف وتقديم للأستاذ الشاعر محمد أوسوس الذي أضاف للباكورة توهجا و بريقا ..
حلي كما يبدو أن الحمولات التيمية التي نهل منها "ابراهيم أكيل " سطور تحفه ، أنها تتأرجح بين الطبيعة العذراء والحب ومآسي الحياة تارة ، والواقع البارونامي للإنسان الأمازيغي البسيط من ولادته ( talalit) إلى أن يبلغ أشده ليشارك في طقوس الحياة القروية .. الحفلات ( isoyas ) والحصاد (tamgra ) ..
Tarula n igdad ( هروب العصافير) – ص -16 قصيدة أظهرت قمة الإمتعاض الضمني من الحياة
Idohda ugdid/ ignna butillas/ hacan tudert /hacan akal .. حيث العصفور الذي تحرر من وضعية الإلتصاق أو التعلق الدائم بالعش ، يجد نفسه معلقا بين السماء والأرض كالعاشق أونامير unamir التائه بين خيوط الحب والنور ..
تعب كلها الحياة ، أو بتعبير "أكيل" ) tigudiwin n tudertمآسي الحياة ) – ص 18- فقد استعمل في القصيدة ضمير "نحن" الذي يبين أنه ليس الوحيد الذي تجرع كيد الزمن فهم ثلة .. أو لنقل أغلبية !! فاتهم مجددا الحياة tudert بكونها غير عادلة وتكيل بمكاييل عديدة ، يقول : nettat urar tri/tserstar fusga
ثم عمد الشاعر إلى الهروب بأحلامه إلى المرتفعات ( إميلشيل ) قصد مناجاة عناصر الطبيعة المتعالية على الهم اليومي وعلى التفاصيل ..
الشمس ((tafukt – ص 32- أيضا لم تكن في منأى عن العتاب ، فقد أخذ الشاعر إبره لوخز رمز من رموز الحياة والنور على تغير الحال ، فبعد أن كان مع أجداده يمارس الطقوس القروية من حرث وحصد وسقي .. وجد نفسه الآن أمام حياة غابت عنها المتعة ، وما يرافق ذلك من تحول ، حيث أشار إلى الإبن الذي يعيش على العطايا ( timillut) ، هذا من جهة ، من جهة أخرى ، حاول عبر مكون طبيعي آخر أن يضغط على زناد عتابه .. إنها النحلة ( tazzwit) – ص34 - التي تعطي العسل الصافي ، فجعل هذه الأخيرة مطية يعبر عبرها عن العسل ( الهناء – الرخاء – المتعة – المجد .. ) الذي لا يدرك إلا باللسع ( الألم – الندم – التعب .. ) فأكد بذلك قول أبي تمام :
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها // تنال إلا على جسر من التعـــــــب
لكنه في نهاية القصيدة ، يصر أن يحيى من أجل الحمولة الثقافية وحفظ الذاكرة ، انتظارا لصبح الفرج ، كما يظهر ذلك جليا أكثر قصيدة amarg ( الشوق ) – ص 40- التي عبر فيها عن الأمل الموضوع في الذاكرة الهوياتية عبر تجسيدها ب " عقد tifilit)) "..
Tilmi n wadu للشاعر "إبراهيم أكيل" ، قصائد كتبت بإيمان يقيني بالوسط وببواعثه المتضاربة ، فهو تارة إيمان بعدم الرضا عن الأشياء التي تناسته ، وكذا إحساسه بنفورها منه ، حيث عمد إلى استفسار مكونات الطبيعة عن مختلف السلوكات ، حيث يقول : أيتها الحياة وجدتك غير منصفة .. وضعتنا جانبا .. حبنا لك كبير ونفورك منا أكبر .. (tigudiwin n tudert ) ، وتارة أخرى ، إيمان بامتعاضه من سلوكات غير مفهومة من الطبيعة تجاهه ( مثال النحلة .. ) .
هذا وصور الشاعر الحياة الموسمية الدورية للإنسان الأمازيغي عبر إخراج وإظهار ما يدور في نفسه إبان الحصاد ( tamgra) والحفلات ( isoyas ) والولادة ( talalit) كرموز لمتعة عاطفية دفينة .
صفوة القول ، ومن عصارة القصائد نستشف الوضعية التي جعلت الشاعر يستمتع – رغم كل شيء – بحياة سيزيفية في جبال الحياة .. وصخرة سيزيفنا – إبراهيم أكيل – يمكن حصرها في الهم الأمازيغي الذي دفعه لنشر بواطن النفس .. وضعية أعطت لسطور الديوان حميمية ساهمت في تذوقه ، وبررت حالات الصعود والهبوط ( tigudiwin-tayri-talalit-amudu..) . إنه يدغدغ الوعي بكلمات متعاكسة ، لكنها كفيلة باستقراء تصادمات الواقع المكشوف ...