لست باحثا تربويا يحلل الأمور استنادا لعدة تجريبية ميدانية دقيقة، ولست أكاديميا مسموع الصوت ومرئي الصورة ، إنما أنا مدرس سهل العريكة ، لا حول له ولا قوة .أناط به القدر مهمة تعليم صغار بعضا من أبجديات الحياة بإحدى أدغال إقليم تارودانت التي يفوق الحديث عن جغرافيتها ومناخها حد الغرابة والخيال..وسط زحف رهيب من المخططات والبرامج التي يظن المنظرون لها في كل مرة أنها الحل السحري لإخراج المدرسة المغربية من كبواتها المعهودة ،
وأزماتها المتراكمة جيلا بعد جيل.فكلما دخلت مخططات لعنت أختها ..
و لئن كنت أستدعي الحق، فلا شك أن المدرسة المغربية تحملت من نزوات المخططين
وأمزجتهم ما لم تتحمله مؤسسة إدارية على الإطلاق من ألبسة بيداغوجية مستوردة ، وأمراض على شكل مذكرات وبرامج وتعليمات تسطر بلغة متقنة الحبك والصنع في مكاتب فخمة مكيفة...
وعوض أن يصف الطبيب للمريض دواء، يصف له داء ينضاف لأدوائه ، عملا بقول القائل :
وربما صحت الأجسام بالعلل ..
تمخضت الوزارة ، فولدت مخططا مستعجلا ..
بعد صرخة تقرير البنك الدولي بموسم 2007-2008 عن التعليم ببلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، فجعت الوزارة الوصية بكل كوادرها ونبغائها ومخططيها بذيل الترتيب الذي تشرف به تعليم بلادنا من بين 14 دولة . الأمر الذي لم ينكره المجلس الأعلى للتعليم بمرارة، حيث أعلن الفشل الذريع لكل السحرة الذين غرهم سحر الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، مما استدعى البحث عن طوق نجاة تجود به توصيات البنك الدولي . هذا الأخير – وبعد دموع سواكب – سطر توجهات جديدة للمغرب ، تتلخص في تسريع وتيرة الخوصصة وترشيد وعقلنة النفقات والتخلي عن دعم قطاع التعليم من طرف الدولة. توجهات رضعها المسؤولون المهزومون ببلادنا، فكان أن دخلنا التاريخ من جديد بمخطط – كله استعجال – كحل استراتيجي يخرج المغرب من موقعه المحرج ، ما بين 2009 و 2010 ، على أن نقبل – كالعادة – أن نكون فئران تجارب ، متعلمين ومدرسين وأطرا إدارية ...
المخطط .. بقرة حلوب ..
لا أظن حقا أن تمت مسؤولا وزاريا يستعجل تطبيق المخطط من أجل متعلم منفي بدهاليز الأطلس، بل أجزم أن هذا الاستعجال كله ، ما هو إلا قرار لتسريع رفع أرصدة المسؤولين البنكية
لا أقل ولا أكثر ، ذلك من خلال التعويضات الجزافية عن كل شهقة وزفرة.. وعن كل متر يخطوه المسؤول خارج مكتبه.. وعن كل تكوين .. عن أي تكوين نتحدث؟؟؟
شخص ببذلة أنيقة ، يعرض بنات أفكار روجيرز وبعض تعريفات عبد الكريم غريب للكفايات في مسلاط ، ويقرأها بالحرف ، دون إدراك ووعي حقيقين لما يقرأه. ينتهي التكوين بابتسامات متبادلة، ويعود كل مدرس لأدغاله بخفي حنين، في حين يعود ذو الأناقة بتعويض باذخ ، وتعود المدرسة مرة أخرى لنقطة البداية ، فتعجز ككل مرة عن تجاوز واقعها المحتوم، فتموت واقفة...
وهكذا، ينجح المخطط غير المعلن عنه في الدوائر الرسمية و أمام الكاميرات ، نقود تمتصها جيوب ، وجهل ترضعه شعوب ، فلا عدمتموها من بقرة حلوب ..
جعجعات .. ولا طحين .
عندما يخصص الإعلام المغربي عادة مساحة وحيزا للحديث عن هموم التعليم وقنبلة " المخطط الاستعجالي "، فمن نافلة الأمور أن تجد سادنة وخامة الطفل – بامتياز – كاتبة الدولة في التعليم المدرسي بلباسها الفخم ، وتسريحة شعر على أحدث موضة ، وبابتسامة - لا تخرق قوانين الإتكيت - ، تتحدث عن منجزاتها الهلامية التى لم تتجاوز مدرسة أو اثنتين بالدارالبيضاء أو الرباط ، مدعية – أمام شعب أمي – أن الإصلاحات الجديدة بلغت أقصى مدرسة على شريط الحدود المغربية...
أعجب حقا لهذه الجرأة في الحديث، والقدرة على إيهام الجميع أن مشروعها السحري قد صنع المعجزات في العالمين القروي والحضري، وأن المشاكل المصادفة في إنزاله لأرض الواقع ،لا يتجاوز 10 في المائة.
لحسن الحظ – أو لسوئه ربما – عاينت عن قرب عوالم لم تعرف سبيلا للماء الصالح للشرب منذ خلق الله البسيطة، بالأحرى أن تصلها أشعار وخطب السيدة الوزيرة. فمنذ ولادة المخطط ، وحال الجدران والمقاعد والسبورات والتلاميذ الشّعْتِ الغُبْر هو الحال. فكيف إذن نغير واقعا مكسور الجوانح ببضع تلاوين بيداغوجية وبضع دلائل تحمل رمزي الواو والتاء ، ظنا من الوزارة أنها ما ينقذ الجائع والعاري؟؟ وطنا منها أيضا أنها الحل الأمثل لإخراج المدرس من مغولية التلقينية إلى بركات الإدماج؟؟ اليس هذا ضحكا على الذقون وهذرا للمال العام لا أقل ولا أكثر ؟؟ لا بأس، لن نعاتب من يجهل أن في هذه المناطق ينتظر المدرس والتلاميذ داخ الفصل الساعة العاشرة صباحا كي يتمكنوا من تحريك فكهم السفلي بكيفية طبيعية من شدة البرودة...
إيلاء الأهمية القصوى لبضع مدارس بمدن المركز ،ووضع رهانات المخططات الوزارية عليها، إنما هو تخطيط ناجح لفشل ناجح ، كما أنه نسف وحرق لكل شعارات الدمقرطة واللامركزية وتكافؤ الفرص، وتكريس بالتالي لإرث المغرب النافع..ولله در القائل :
ألا لا يجهلنْ أحد علينا "" فنجهل فوق جهل الجاهلينا
عود على بدء ..
لست ممن ينظرون للجانب الفارغ من الكأس ،ولا من الذين يلبسون نظارات سوداء على كل شيء، ولكني نموذج من آلاف يعانون الكذب أمام الأضواء إضافة لقساوة الجغرافيا، وقساوة الواقع المتكرر كل يوم . واقع يحتاج إرادة حقيقية ضخمة تفوق وتتجاوز الكلام الزائف المنمق .
إرادة تمكن هذا الكائن البشري من إيصاله – على الأقل – لأدنى عتبات مطالب الإنسان وحقوقه، التي تجعله بعيدا عن السؤال المحرج : هل أعيش عيشة بشر ،أم عيشة ( ... ) ؟؟ ولله در عمر الفاروق الذي اعترف أمام الناس كافة بمسؤوليته العظيمة أمام الله لو عثرت بغلة بالعراق..
إلى متى سنبقى منسيين نقتات على فتات الموائد ؟؟ إلى متى تتجاهلنا هذه البلاد ، أمنا الرؤوم ، وتتذكرنا فقط أيام الانتخابات وأيام حصد الضرائب ؟؟ وما دمت أتحدث هنا عن التعليم ، فمتى سيبقى هذا الأخير رجل المغرب المريض ؟؟
بقلم : إبراهيم أوحسين
تارودانت
وأزماتها المتراكمة جيلا بعد جيل.فكلما دخلت مخططات لعنت أختها ..
و لئن كنت أستدعي الحق، فلا شك أن المدرسة المغربية تحملت من نزوات المخططين
وأمزجتهم ما لم تتحمله مؤسسة إدارية على الإطلاق من ألبسة بيداغوجية مستوردة ، وأمراض على شكل مذكرات وبرامج وتعليمات تسطر بلغة متقنة الحبك والصنع في مكاتب فخمة مكيفة...
وعوض أن يصف الطبيب للمريض دواء، يصف له داء ينضاف لأدوائه ، عملا بقول القائل :
وربما صحت الأجسام بالعلل ..
تمخضت الوزارة ، فولدت مخططا مستعجلا ..
بعد صرخة تقرير البنك الدولي بموسم 2007-2008 عن التعليم ببلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، فجعت الوزارة الوصية بكل كوادرها ونبغائها ومخططيها بذيل الترتيب الذي تشرف به تعليم بلادنا من بين 14 دولة . الأمر الذي لم ينكره المجلس الأعلى للتعليم بمرارة، حيث أعلن الفشل الذريع لكل السحرة الذين غرهم سحر الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، مما استدعى البحث عن طوق نجاة تجود به توصيات البنك الدولي . هذا الأخير – وبعد دموع سواكب – سطر توجهات جديدة للمغرب ، تتلخص في تسريع وتيرة الخوصصة وترشيد وعقلنة النفقات والتخلي عن دعم قطاع التعليم من طرف الدولة. توجهات رضعها المسؤولون المهزومون ببلادنا، فكان أن دخلنا التاريخ من جديد بمخطط – كله استعجال – كحل استراتيجي يخرج المغرب من موقعه المحرج ، ما بين 2009 و 2010 ، على أن نقبل – كالعادة – أن نكون فئران تجارب ، متعلمين ومدرسين وأطرا إدارية ...
المخطط .. بقرة حلوب ..
لا أظن حقا أن تمت مسؤولا وزاريا يستعجل تطبيق المخطط من أجل متعلم منفي بدهاليز الأطلس، بل أجزم أن هذا الاستعجال كله ، ما هو إلا قرار لتسريع رفع أرصدة المسؤولين البنكية
لا أقل ولا أكثر ، ذلك من خلال التعويضات الجزافية عن كل شهقة وزفرة.. وعن كل متر يخطوه المسؤول خارج مكتبه.. وعن كل تكوين .. عن أي تكوين نتحدث؟؟؟
شخص ببذلة أنيقة ، يعرض بنات أفكار روجيرز وبعض تعريفات عبد الكريم غريب للكفايات في مسلاط ، ويقرأها بالحرف ، دون إدراك ووعي حقيقين لما يقرأه. ينتهي التكوين بابتسامات متبادلة، ويعود كل مدرس لأدغاله بخفي حنين، في حين يعود ذو الأناقة بتعويض باذخ ، وتعود المدرسة مرة أخرى لنقطة البداية ، فتعجز ككل مرة عن تجاوز واقعها المحتوم، فتموت واقفة...
وهكذا، ينجح المخطط غير المعلن عنه في الدوائر الرسمية و أمام الكاميرات ، نقود تمتصها جيوب ، وجهل ترضعه شعوب ، فلا عدمتموها من بقرة حلوب ..
جعجعات .. ولا طحين .
عندما يخصص الإعلام المغربي عادة مساحة وحيزا للحديث عن هموم التعليم وقنبلة " المخطط الاستعجالي "، فمن نافلة الأمور أن تجد سادنة وخامة الطفل – بامتياز – كاتبة الدولة في التعليم المدرسي بلباسها الفخم ، وتسريحة شعر على أحدث موضة ، وبابتسامة - لا تخرق قوانين الإتكيت - ، تتحدث عن منجزاتها الهلامية التى لم تتجاوز مدرسة أو اثنتين بالدارالبيضاء أو الرباط ، مدعية – أمام شعب أمي – أن الإصلاحات الجديدة بلغت أقصى مدرسة على شريط الحدود المغربية...
أعجب حقا لهذه الجرأة في الحديث، والقدرة على إيهام الجميع أن مشروعها السحري قد صنع المعجزات في العالمين القروي والحضري، وأن المشاكل المصادفة في إنزاله لأرض الواقع ،لا يتجاوز 10 في المائة.
لحسن الحظ – أو لسوئه ربما – عاينت عن قرب عوالم لم تعرف سبيلا للماء الصالح للشرب منذ خلق الله البسيطة، بالأحرى أن تصلها أشعار وخطب السيدة الوزيرة. فمنذ ولادة المخطط ، وحال الجدران والمقاعد والسبورات والتلاميذ الشّعْتِ الغُبْر هو الحال. فكيف إذن نغير واقعا مكسور الجوانح ببضع تلاوين بيداغوجية وبضع دلائل تحمل رمزي الواو والتاء ، ظنا من الوزارة أنها ما ينقذ الجائع والعاري؟؟ وطنا منها أيضا أنها الحل الأمثل لإخراج المدرس من مغولية التلقينية إلى بركات الإدماج؟؟ اليس هذا ضحكا على الذقون وهذرا للمال العام لا أقل ولا أكثر ؟؟ لا بأس، لن نعاتب من يجهل أن في هذه المناطق ينتظر المدرس والتلاميذ داخ الفصل الساعة العاشرة صباحا كي يتمكنوا من تحريك فكهم السفلي بكيفية طبيعية من شدة البرودة...
إيلاء الأهمية القصوى لبضع مدارس بمدن المركز ،ووضع رهانات المخططات الوزارية عليها، إنما هو تخطيط ناجح لفشل ناجح ، كما أنه نسف وحرق لكل شعارات الدمقرطة واللامركزية وتكافؤ الفرص، وتكريس بالتالي لإرث المغرب النافع..ولله در القائل :
ألا لا يجهلنْ أحد علينا "" فنجهل فوق جهل الجاهلينا
عود على بدء ..
لست ممن ينظرون للجانب الفارغ من الكأس ،ولا من الذين يلبسون نظارات سوداء على كل شيء، ولكني نموذج من آلاف يعانون الكذب أمام الأضواء إضافة لقساوة الجغرافيا، وقساوة الواقع المتكرر كل يوم . واقع يحتاج إرادة حقيقية ضخمة تفوق وتتجاوز الكلام الزائف المنمق .
إرادة تمكن هذا الكائن البشري من إيصاله – على الأقل – لأدنى عتبات مطالب الإنسان وحقوقه، التي تجعله بعيدا عن السؤال المحرج : هل أعيش عيشة بشر ،أم عيشة ( ... ) ؟؟ ولله در عمر الفاروق الذي اعترف أمام الناس كافة بمسؤوليته العظيمة أمام الله لو عثرت بغلة بالعراق..
إلى متى سنبقى منسيين نقتات على فتات الموائد ؟؟ إلى متى تتجاهلنا هذه البلاد ، أمنا الرؤوم ، وتتذكرنا فقط أيام الانتخابات وأيام حصد الضرائب ؟؟ وما دمت أتحدث هنا عن التعليم ، فمتى سيبقى هذا الأخير رجل المغرب المريض ؟؟
بقلم : إبراهيم أوحسين
تارودانت