حين التقيا لم يكن يتوقع أن يكون اليوم هو تاريخ قدره الأجمل. جلسا وجها لوجه دون أن يتماثلا تماما، ومضى الوقت به وهو لا يفارقه الندم. لو كان يعرف أنه سيقابل أنثى ساحرة العينين كهذه لجاء قبل الموعد بعمر ينفقه انتظارا لمجيئها. كيف لأحلامه و أمنياته أن تتخذ شكل أنثى روعتها مدهشة هكذا؟
لم تكن تنظر صوبه تحديدا، ففي العينين هاتين خواء وضياع غريب، ومع هذا فهما تتجهان إليه بشكل ما. كانتا آية فتنة وجمال على ما فيهما من ألوان رتبتها يد الخالق المبدع.
سبحان من صور.
همس لنفسه مخافة أن يصلها صوته فيخسرها إن هي فهمت ما لا يقصده. "لاشك أنها رافقت أحدا ما إلى هنا.. ربما أمها أو صديقتها.. ربما.. أتراه ابنها، ابنتها؟ لا.. ليست متزوجة بعد، لا أدري.. لكنني أتمنى أن تكون عزباء".
يا سادة.. رجاء.. نحن آسفون.. لن يتمكن الطبيب من الحضور اليوم. سنعتمد هذه المواعيد نفسها لبعد غد بحول الله.
سرت غمغمات في الجمع الجالس بالقاعة، فيما تبسمت هي لحظات و الغمازة تزيدها ألقا قبل أن تفرد عصا كانت إلى جوار حقيبتها وتغادر في هدوء. كانت..
عمياء؟؟
لم يصدق.. حاول أن.. لم يستطع، فقد كان.. أفقدته المفاجأة صوته.. تأمل حوله، بدت القاعة شبه خاوية.. غادرها بسرعة محاولا أن يمر من بين أكداس البشر المحشورين على درجات السلم الضيق.. ينزل خطوتين ثم يصعد ثلاثا مفسحا المجال لشيخ عجوز أو امرأة حامل.. أخيرا صار خارج البناية، وهي.. ما عادت هنا.
بعد يومين حضر قبل الموعد بنصف يوم ليمضي نصفه الثاني دون أن تحضر. حين آن دوره ترك البطاقة المرقمة على الطاولة دون أن يقوم ليكشف على عينيه.. هي من يريد لا غيرها. بعد شيء من الوقت قرر الاستعلام عنها لدى السكرتيرة المكلفة بحجز المواعيد. يسأل عن من ؟ لا اسم و لا عنوان و لا مهنة.. يسأل عنها بصفته من؟ لا شيء يجمع بينهما سوى موعد في عيادة. عزم على السؤال " ولتكن مشيئة الله".
من فضلك.
انتبه إلى أن السكرتيرة تتم حديثا على الهاتف. تراجع خطوتين نحو الوراء مفسحا أمامها مجالا من الخصوصية، مرت أمامه سيدة لتقف حيث كان هو قبيل لحظات متكئة بذراعها على مقدمة الطاولة العالية، خلعت نظارتها الشمسية وخصلات شعرها تحجب من ملامحها التي لا يدري أين رآها قبلا.
من فضلك.
نعم؟
عاد إلى كرسيه محاولا تذكر هذه القسمات. هذا الوجه رآه قبلا، لكن.. أين تحديدا؟ رآها تبتسم، تشكر السكرتيرة ثم تمضي على مقربة منه على متم وضوح. قام.. جلس.. قام نحو السكرتيرة.. تراجع خطوتين.. تلك الابتسامة! تلك الغمازة! !
مستحيل.
مضى نحو السلم ثم سرعان ما صار خارج المبنى. ما عادت هنا!
عاد إلى العيادة صوب السكرتيرة رأسا.
من فضلك.
نعم؟
هذه السيدة التي غادرت للتو.
ما بها؟
إنها.. لقد مضت وحدها.. أقصد قبل يومين.. الآن ترى.. كانت عمياء.
نظرت إليه بعينين تتهكمان تحت حاجبين معقودين ثم قالت وهي تعود لملء بعض الاستمارات:
الآن ترى.. كانت عمياء. ماذا تستنتج؟
عاد ينظر إليها فاغرا فاه. حركت رأسها يمنة ويسرة مبدية ضيقها من بلاهته الطاغية وهي تنتظر جوابه كمطر صيف لا يأتي، ثم قالت بنبرة لاذعة السخرية:
توأم؟؟
لم تكن تنظر صوبه تحديدا، ففي العينين هاتين خواء وضياع غريب، ومع هذا فهما تتجهان إليه بشكل ما. كانتا آية فتنة وجمال على ما فيهما من ألوان رتبتها يد الخالق المبدع.
سبحان من صور.
همس لنفسه مخافة أن يصلها صوته فيخسرها إن هي فهمت ما لا يقصده. "لاشك أنها رافقت أحدا ما إلى هنا.. ربما أمها أو صديقتها.. ربما.. أتراه ابنها، ابنتها؟ لا.. ليست متزوجة بعد، لا أدري.. لكنني أتمنى أن تكون عزباء".
يا سادة.. رجاء.. نحن آسفون.. لن يتمكن الطبيب من الحضور اليوم. سنعتمد هذه المواعيد نفسها لبعد غد بحول الله.
سرت غمغمات في الجمع الجالس بالقاعة، فيما تبسمت هي لحظات و الغمازة تزيدها ألقا قبل أن تفرد عصا كانت إلى جوار حقيبتها وتغادر في هدوء. كانت..
عمياء؟؟
لم يصدق.. حاول أن.. لم يستطع، فقد كان.. أفقدته المفاجأة صوته.. تأمل حوله، بدت القاعة شبه خاوية.. غادرها بسرعة محاولا أن يمر من بين أكداس البشر المحشورين على درجات السلم الضيق.. ينزل خطوتين ثم يصعد ثلاثا مفسحا المجال لشيخ عجوز أو امرأة حامل.. أخيرا صار خارج البناية، وهي.. ما عادت هنا.
بعد يومين حضر قبل الموعد بنصف يوم ليمضي نصفه الثاني دون أن تحضر. حين آن دوره ترك البطاقة المرقمة على الطاولة دون أن يقوم ليكشف على عينيه.. هي من يريد لا غيرها. بعد شيء من الوقت قرر الاستعلام عنها لدى السكرتيرة المكلفة بحجز المواعيد. يسأل عن من ؟ لا اسم و لا عنوان و لا مهنة.. يسأل عنها بصفته من؟ لا شيء يجمع بينهما سوى موعد في عيادة. عزم على السؤال " ولتكن مشيئة الله".
من فضلك.
انتبه إلى أن السكرتيرة تتم حديثا على الهاتف. تراجع خطوتين نحو الوراء مفسحا أمامها مجالا من الخصوصية، مرت أمامه سيدة لتقف حيث كان هو قبيل لحظات متكئة بذراعها على مقدمة الطاولة العالية، خلعت نظارتها الشمسية وخصلات شعرها تحجب من ملامحها التي لا يدري أين رآها قبلا.
من فضلك.
نعم؟
عاد إلى كرسيه محاولا تذكر هذه القسمات. هذا الوجه رآه قبلا، لكن.. أين تحديدا؟ رآها تبتسم، تشكر السكرتيرة ثم تمضي على مقربة منه على متم وضوح. قام.. جلس.. قام نحو السكرتيرة.. تراجع خطوتين.. تلك الابتسامة! تلك الغمازة! !
مستحيل.
مضى نحو السلم ثم سرعان ما صار خارج المبنى. ما عادت هنا!
عاد إلى العيادة صوب السكرتيرة رأسا.
من فضلك.
نعم؟
هذه السيدة التي غادرت للتو.
ما بها؟
إنها.. لقد مضت وحدها.. أقصد قبل يومين.. الآن ترى.. كانت عمياء.
نظرت إليه بعينين تتهكمان تحت حاجبين معقودين ثم قالت وهي تعود لملء بعض الاستمارات:
الآن ترى.. كانت عمياء. ماذا تستنتج؟
عاد ينظر إليها فاغرا فاه. حركت رأسها يمنة ويسرة مبدية ضيقها من بلاهته الطاغية وهي تنتظر جوابه كمطر صيف لا يأتي، ثم قالت بنبرة لاذعة السخرية:
توأم؟؟