كان يعرف الناس من أحذيتهم. لم تكن تهمه الأسماء و لا المهن و لا العناوين... كل همه هو الأحذية... تلك التي لا عنوان لها سوى العبور من ضفة الى أخرى و من شارع الى آخر.
كان له أحاديث خاصة معها، و كان يحفظ الماركات عن ظهر قلب هو الذي تعود إنفاق أيامه انصاتا لحكاياتها السرية. فدون حتى أن يرفع عينيه نحو الجالس أمامه كان الحذاء يباشر حكي كل شيء تقريبا، حتى ما قد لا يود صاحبه أن يعرفه عنه أحد.
في البداية كان يهتم للأحذية الرجالية، و كان بانتقاله بينها كأنما هو يتنقل طبقيا داخل نسيج يكبت الحراك الإجتماعي و صعود سكان الأقبية نحو أسطح الأبنية الفخمة. تعود أن يسمع حكايات غريبة... صفقات تدار بأرقام خيالية لا يعرف منها سوى كيف تكتب، يحكيها حذاء أسود لامع يليق ببذلة رسمية... تفاهات و متع فارغة يحكيها حذاء غولف بني يليق بسروال قصير و تيشورت بنصف كم... شقاء و حرمان يحكيهما شبه حذاء لا لون له و ليس ثمة لباس يليق به... و دون هذا، و في أحايين كثيرة، كانت تمر به أحذية لم يعد معها شيء لتحكيه و قد تبنت الصمت احتجاجا على مفارقات هذا الواقع المجنون.
حين ما عاد يقوى على احتمال كم الفجيعة الفادح في مجمل الحكايا ــ عن فائض شبع مرة و عن فائض جوع مرات أخرى ــ قرر مصادقة الأحذية النسائية.
تمر به ماركات مختلفة و مدد صلاحية مخيفة، من حذاء يغير كل ثلاثة أشهر ــ بدافع الموضة ــ إلى حذاء ليس له سن تقاعد ــ لأن صاحبته ما لها سواه ــ ... تعلم أن يميز القصص الكاذبة للحذاء الأسود ذي الكعب العالي... فعلى ما يظهره من خلفية مادية عالية المستوى كان يسر له ببؤس صاحبته العاطفي، و بأنها ترتديه حتى تمنع قدميها من الإلتصاق بالأرض. تعلم ألا يسأل أحذية ــ تحادي في طولها مستوى الركبة ــ عن قصص الليالي الحمراء و المراقص و الحانات... تعلم أيضا أن الحذاء البسيط ذي المقدمة على شكل نصف دائرة ترتديه نسوة يسبق نضجهن أعمارهن... تعلم كيف يزيل الغبار عن الأحذية حتى يلتقط من تحته خبز يومه، و كيف يلمعها حتى يمنحها ذاكرة جديدة لقصص أخرى، و أين عليه الجلوس و إفراغ محتويات علبته الخشبية، و متى عليه لمها...
تعلم ما لا يمكن إدراكه عن الحياة في المدارس و الكتب و البرامج التلفزية المفخخة... تعلم عن الحياة... من الحياة نفسها.
لا يهم اسمه و لا عمره و لا عنوانه و لا أحلامه... لا تهم كشوف الحساب بمعاملات ربحه و خساراته... لا يهم من علمه أن يصير ماسح أحذية و لا كيف يفكك لغتها المشفرة...
ما يهم حقا هو أن له ــ كغيره من الناس ــ حذاء...
و تلك قصته التي...
كان له أحاديث خاصة معها، و كان يحفظ الماركات عن ظهر قلب هو الذي تعود إنفاق أيامه انصاتا لحكاياتها السرية. فدون حتى أن يرفع عينيه نحو الجالس أمامه كان الحذاء يباشر حكي كل شيء تقريبا، حتى ما قد لا يود صاحبه أن يعرفه عنه أحد.
في البداية كان يهتم للأحذية الرجالية، و كان بانتقاله بينها كأنما هو يتنقل طبقيا داخل نسيج يكبت الحراك الإجتماعي و صعود سكان الأقبية نحو أسطح الأبنية الفخمة. تعود أن يسمع حكايات غريبة... صفقات تدار بأرقام خيالية لا يعرف منها سوى كيف تكتب، يحكيها حذاء أسود لامع يليق ببذلة رسمية... تفاهات و متع فارغة يحكيها حذاء غولف بني يليق بسروال قصير و تيشورت بنصف كم... شقاء و حرمان يحكيهما شبه حذاء لا لون له و ليس ثمة لباس يليق به... و دون هذا، و في أحايين كثيرة، كانت تمر به أحذية لم يعد معها شيء لتحكيه و قد تبنت الصمت احتجاجا على مفارقات هذا الواقع المجنون.
حين ما عاد يقوى على احتمال كم الفجيعة الفادح في مجمل الحكايا ــ عن فائض شبع مرة و عن فائض جوع مرات أخرى ــ قرر مصادقة الأحذية النسائية.
تمر به ماركات مختلفة و مدد صلاحية مخيفة، من حذاء يغير كل ثلاثة أشهر ــ بدافع الموضة ــ إلى حذاء ليس له سن تقاعد ــ لأن صاحبته ما لها سواه ــ ... تعلم أن يميز القصص الكاذبة للحذاء الأسود ذي الكعب العالي... فعلى ما يظهره من خلفية مادية عالية المستوى كان يسر له ببؤس صاحبته العاطفي، و بأنها ترتديه حتى تمنع قدميها من الإلتصاق بالأرض. تعلم ألا يسأل أحذية ــ تحادي في طولها مستوى الركبة ــ عن قصص الليالي الحمراء و المراقص و الحانات... تعلم أيضا أن الحذاء البسيط ذي المقدمة على شكل نصف دائرة ترتديه نسوة يسبق نضجهن أعمارهن... تعلم كيف يزيل الغبار عن الأحذية حتى يلتقط من تحته خبز يومه، و كيف يلمعها حتى يمنحها ذاكرة جديدة لقصص أخرى، و أين عليه الجلوس و إفراغ محتويات علبته الخشبية، و متى عليه لمها...
تعلم ما لا يمكن إدراكه عن الحياة في المدارس و الكتب و البرامج التلفزية المفخخة... تعلم عن الحياة... من الحياة نفسها.
لا يهم اسمه و لا عمره و لا عنوانه و لا أحلامه... لا تهم كشوف الحساب بمعاملات ربحه و خساراته... لا يهم من علمه أن يصير ماسح أحذية و لا كيف يفكك لغتها المشفرة...
ما يهم حقا هو أن له ــ كغيره من الناس ــ حذاء...
و تلك قصته التي...