إن الوقت هو الحياة... وإن العمر ما هو إلا مجموع هذه الأيام والليالي، وهذه الساعات التي تنحت جسم الإنسان نحتًا.
تفتـك الأيــام فتَّا وتنحت *** جسمـك الساعـات نحتًا
وتدعوك المنون دعاء صدقٍ*** ألا يا صاحِ أنتَ أُريدُ أنتَ
فهذه الأيام والليالي هي عمرك وهذه الساعات هي مجموع حياتك، فإن أنت اغتنمتها فقد أفلحت، وإن ضيعها الإنسان فقد خاب وخسر، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم –: ( نعمتان مغبون فيمها كثير من الناس: الصحة والفراغ ) رواه البخاري في صحيحه. ومعنى الحديث الكريم: أن هنالك نعمتين عظيمتين قد خسر فيهما أكثر الناس وقد حُرموا الاستفادة من أهمها؛ إنهما الصحة والفراغ، فالصحة هي التي تعطي بإذن الله القدرة والقوة على مباشرة الأمور وتحصيل المصالح، والفراغ هو الذي يعين على أن يحصل الإنسان ما يريد فكيف للمشغول بالأعمال وطلب الأرزاق ولا يجد ساعة يرتاح فيها كيف له أن يطلب العلم النافع؛ كيف لذلك الرجل المريض الذي نهش جسمه المرض وأوهنت قِواه المتاعب كيف أن يقدر على مكابدة الدراسة وتحصيل العلم وتحصيل ما يصلحه في دينه ودنياه..
إذن فهما نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، أي خاسر فيهما كثير من الناس، وهذا الأمر يحتاج منك أن تقف أولاً على أمر عظيم ألا وهو: كيف لا أكون خاسرًا في هذين النعمتين: في صحتي وفي وقتي الذي هو مجموع حياتي؟
فالجواب: بأن تكون أنت في غَدِك خير من منك في أمسك، فكل يوم تكون في خير وكل يوم تحصل خيرًا فتضمه إلى خير، فأنت في هذا اليوم على نور وغدًا تكون أشد نورًا وأنت اليوم على خير وغدًا تكون على أتم خير وأعظم، فهكذا تكون غير خاسر وغير مغبون في صحتك وفي فراغك.
فالإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يكون خاسرًا مغبونًا في يومه أكثر منه من أمسه، فهذا قد وضحت خسارته وظهر حرمانه والعياذ بالله تعالى – وإما أن يكون هو في يومه كمثله في أمسه؛ فهذا أيضًا خاسرًا لو تأملت، لأنه لابد له أن يكون في تقدم وفي ازدياد، ولكنَّ خسارته دونَ الأول.
وإما أن يكون هو في يومه خيرٌ منه في أمسه فهذا هو الرابح وهذا يتفاوت بحسب الهمم العالية وبحسب ما ألقى الله جل وعلا في قلب العبد من العزيمة الصادقة حتى قال - صلوات الله وسلامه عليه -: ( إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ) رواه الطبراني في المعجم. أي أن الله جل وعلا يحب من عبده أن يكون متعلقًا بمعالي الأمور، ولا ريب أن هذه المعالي لا تنال - بعد توفيق الله - إلا بالعزيمة الصادقة وبالهمة العالية.
لا بد من إعداد رسم بياني أو برنامج لما عليك القيام به كل يوم أو كل أسبوع أو شهر، مبينا عليه ما قمت به، وليكن هذا الرسم أو البيان قريبا منك ومعلقا على جدار غرفتك بحيث يسهل عليك أن ترى من خلاله مدى تقيدك بما حددته، ومدى تقصيرك في تنفيذ الهدف.
ولا بأس أن يكون الإنسان مضطرًا أحيانا لإدخال بعض التعديلات، فذلك منطقي فما دام الإنسان لا يعلم الغيب ولا يمكنه أن يتوقع ما قد يحدث له في اليوم أو الغد فيؤثر على برنامجه، لكن يجب الحذر من أن يقف مدهوشا أمام تلك الأحداث والتعديلات.
إن تحديد الموعد لإنجاز عمل ما يعني استهداف التنفيذ في هذا الموعد بالضبط. على أنه ينبغي عليك عند تحديد موعد الإنجاز وذلك بأن تأخذ طاقاتك وإمكاناتك وظروفك بعين الاعتبار، فلا تجعل هدفك قريبا حتى الاستهانة، ولا بعيدًا جدًّا حتى الاستحالة..
ومن ثم يوحي بضعف الثقة في النفس وانعدام العزم، وتأكد أنك تنبهت إلى جميع الصعوبات والعوائق المرتقبة في إطار الأهداف الأخرى في الفترة ذاتها.
إنك بهذه الطريقة في التخطيط والتنفيذ يكون لك جدول زمني للأعمال التي تنوي القيام بها، وإذا كان عملاً كبيرًا يتطلب وقتا طويلاً كحفظ أحزاب من القرآن الكريم أو حفظه كله أو غيره مما يحتاج وقتا طويلا... قسِّم هذا العمل إلى أجزاء يمكنك إتمامه عبر مراحل، ثم بادر بعد ذلك إلى تنفيذ الخطوات الأخرى، واحدة تلو الأخرى، وقد يكون تحقيق هذا الهدف يتطلب خطوات مختلفة ليست كلها ذات أهمية واحدة، وهنا تأكد أنك تنفذ الخطوات بحسب أولوياتها وبحسب أهميتها مبتدءًا طبعا بأكثرها أهمية حتى أدناها، وهو ما يسمى بفقه الأولويات، ومن شأن مثل هذا التنظيم أن يدفعك إلى متابعة التنفيذ بدقة وإلى الحماس والاندفاع.
إن كل خطوة تنقلك إلى الخطوة التي تليها.
وبوسعك خلال ذلك أن تتأكد من حسن سيرك في التنفيذ، وهنا قد تجد أنك ربما سبقت المنهج الموضوع قليلا، أو أن عقبات حالت دون الوصول إلى المرحلة المسجلة على الجدول في الوقت المحدد، وعند ذاك بوسعك أن تدخل التعديلات المناسبة من إسراع في التنفيذ أو إبطاء، أو من تعديل المواعيد.
إن منهاجك هذا الذي وضعته يجب أن يكون مرنا قابلا للتعديل بسبب انتقالك من عملك مثلا أو الخروج في رحلة أو عطلة أو عارض كمرض - عافاك الله تعالى -.
إن الأمر المهم في هذا التنظيم أو الأساس الذي يجب أن يستند إليه هو أنه عليك أن تعمل الآن، فلا تؤجل عمل اليوم إلى غد، والزم قول الشاعر البارودي:
بادر الفرصة واحذر فواتها *** فإنما نيل العز في الفرص
وقبل هذا وذاك الزم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما.
إنه بمثل هذا الأسلوب يمكنك أن تملأ فراغك، وتستفيد من يومك الذي يقول عند كل فجر: ( يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ). إنه بمثل هذا الأسلوب تبعث الحياة في وقتك، وبالتالي ينبغي ألا يكون لك أي وقت مهما قصر تشعر فيه أنه ليس لديك ما تعمله، إنه بهذا الأسلوب في تنظيم الوقت تنشط وتتخلص من الملل الذي يشكو منه كثير من عباد الله، وتأكد أن من لا يحسن وقت الراحة لا يحسن قطعا وقت العمل.
فبهذه التقدمة فإنه يحتاج منك أن تنظر في كيفية ترتيب الأوقات انطلاقًا من صلواتك المفروضة، فتجعل صلواتك الخمس هي أساس انطلاق نظامك اليومي، فإذا صليت الفجر مثلاً فأنت في العادة ربما أخذت مضجعك لترتاح قليلاً قبل أن تقوم إلى دراستك، وربما بقيت بعد الفجر ذاكرًا لله جل وعلا وتقرأ شيئًا من القرآن، ثم بعد ذلك تنطلق إلى شأنك وإلى دراستك، فهذا إن أمكنك فهو خير لك، ولكن يقتضي منك أن تكون قد أخذت قسطًا كافيًا من النوم في الليل؛ فالسهر في غير موضعه أمر يضر البدن ويضر الوقت كذلك، لأنه يحملك على أن تكون في النهار خاملاً قد أصابك الكسل وذهب نشاطك، بينما إن ذهبت إلى مضجعك مبكرًا بعد ما أديت ما عليك من الشؤون فإنك حينئذ تظفر بقوة النشاط في نهارك، ولذلك كان - صلوات الله وسلامه عليه – يكره السهر بعد صلاة العشاء إلا من حاجة، فثبت عنه - صلى الله عليه وسلم – أنه كان يكره النوم قبلها ويكره الحديث بعدها، وهذا فيما غير حاجة – كما تقدم –
والحديث في ذلك ثابت عنه - صلوات الله وسلامه عليه – فأفضل أحوالك أن تبدأ يومك بصلاة الفجر ثم بعد ذلك تنطلق في حفظ شيء من كتاب الله جل وعلا إلى أن تتهيأ للخروج إلى دراستك ثم تذهب فتبذل جهدك في تحصيل العلم النافع الذي يعود عليك بالخير في دينك ودنياك وتجعل ذهنك مركزًا على فهم ما يُقال لك في الدرس؛ فإن هذا يعينك ويوفر عليك الوقت، والحذر من شرود الذهن وسرحان البال.
وإن وجدت نفسك في بعض المحاضرات لديك وقتٍ كافٍ لأن تطالع فيه شيئًا من العلوم فحينئذ خير ما تقوم به أن تراجع ما تقدم من محفوظاتك من كتاب الله جل وعلا، فبهذا تبتدئ بحفظ القرآن العظيم مبتدئًا به بعد صلاة الفجر وأيضًا في أوقات الفراغ التي تظفر بها عندما تكون في وقت دراستك، فهذا يجمع لك فرصة عظيمة لأن تكون قد حصلت قسطًا من حفظ كتاب الله جل وعلا في يومك قبل أن تأتي ليلته، ثم إذا رجعت إلى بيتك أخذت قسطًا من الراحة وبعد ذلك انطلق وقتك من بعد صلاة العصر أو المغرب، بحيث تنظم أمورك بأن تبدأ بمراجعة دروسك وتقييد المشكل منها لتسأل عنه، وتقييد الفوائد، وتقييد القواعد المهمة التي تحتاج إلى استذكار وحفظ، مع الإشارة إليها في دفتر خاص.. ثم بعد صلاة المغرب تبدأ كذلك في حفظ محفوظاتك من كتاب الله جل وعلا وتجعل لك نصيبًا من المدارسة العلمية في حلقة لتدريس العلم النافع، فإن أمكن أن يكون لك شيخ تدرس عليه بعض العلوم كأن تبتدئ بالعقيدة وكذلك تعلم الأحكام الشرعية الفقهية التي تصلح من صلاتك وطهارتك وعباداتك وصيامك وغير ذلك من الأمور التي تعرض لك كثيرًا في يومك وليلك، فهذا هو الذي ينبغي أن تبتدئ به، ولاسيما إن أخذت في ذلك كتابًا منهجيًّا تبتدئ منه من أوله حتى تنهيه فبذلك تحصل جملة صالحة من الفقه من كتاب مختصر، وهذا يحتاج فيه أن ترجع إلى بعض الشيوخ الكرام الذين يمكن أن يدرسوك، فإن لم يمكن ذلك وتعسَّر أو صعب أن يكون لديك شيخٌ يدرسك فعليك بأن تطلب ذلك من خلال التسجيلات الصوتية والتي توجد في المكتبة الصوتية بالشبكة الإسلامية مجموعة صالحة منها، فتختار دروسًا علمية تتعلق بالعقيدة كشرح العقيدة مثلاً، وكشرح كتاب التوحيد، فتبدأ ذلك بهذين الكتابين في العقيدة، وتبدأ كذلك بمختصر نافع في الفقه الذي يعلمك الأحكام الشرعية فيصبح لديك تحصيل لحفظ كتاب الله وغيره من العلم النافع من العقيدة والفقه، فبذلك تسير سيرًا رفيقًا هادئًا في تحصيل العلم الشرعي وكذلك تحصيل دراستك التي لابد لك منها ثم يكون لك تنظيم لأوقات راحتك – كما أشرنا – وكذلك في مخالطتك الاجتماعية، فهذا لا يعني أن تلغي الصحبة الصالحة ولا يعني ألا يكون لك مشاركات اجتماعية مع أقاربك وأرحامك والجلوس مع أهلك ووالديك وأخواتك، فكل هذا يحتاج منك إلى نظرٍ وإلى وقت تبذله فيه، ولكن تبتدئ بهذه القاعدة العظيمة وهي أن تجعل الصلوات الخمس منطلقًا تنظم منه وقتك، فتستطيع بذلك أن تجعل للزيارة الاجتماعية وقتًا وأن تجعل لجلوسك مع والديك وأسرتك وأهلك وقتًا، ولمذاكرة الدروس وقتًا، ولتحصيلك العلم الشرعي وقتًا آخر، فكل ذلك بالترتيب الذي قد أشرنا إليه، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه ونسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يجعلك من عباده الصالحين.
تفتـك الأيــام فتَّا وتنحت *** جسمـك الساعـات نحتًا
وتدعوك المنون دعاء صدقٍ*** ألا يا صاحِ أنتَ أُريدُ أنتَ
فهذه الأيام والليالي هي عمرك وهذه الساعات هي مجموع حياتك، فإن أنت اغتنمتها فقد أفلحت، وإن ضيعها الإنسان فقد خاب وخسر، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم –: ( نعمتان مغبون فيمها كثير من الناس: الصحة والفراغ ) رواه البخاري في صحيحه. ومعنى الحديث الكريم: أن هنالك نعمتين عظيمتين قد خسر فيهما أكثر الناس وقد حُرموا الاستفادة من أهمها؛ إنهما الصحة والفراغ، فالصحة هي التي تعطي بإذن الله القدرة والقوة على مباشرة الأمور وتحصيل المصالح، والفراغ هو الذي يعين على أن يحصل الإنسان ما يريد فكيف للمشغول بالأعمال وطلب الأرزاق ولا يجد ساعة يرتاح فيها كيف له أن يطلب العلم النافع؛ كيف لذلك الرجل المريض الذي نهش جسمه المرض وأوهنت قِواه المتاعب كيف أن يقدر على مكابدة الدراسة وتحصيل العلم وتحصيل ما يصلحه في دينه ودنياه..
إذن فهما نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، أي خاسر فيهما كثير من الناس، وهذا الأمر يحتاج منك أن تقف أولاً على أمر عظيم ألا وهو: كيف لا أكون خاسرًا في هذين النعمتين: في صحتي وفي وقتي الذي هو مجموع حياتي؟
فالجواب: بأن تكون أنت في غَدِك خير من منك في أمسك، فكل يوم تكون في خير وكل يوم تحصل خيرًا فتضمه إلى خير، فأنت في هذا اليوم على نور وغدًا تكون أشد نورًا وأنت اليوم على خير وغدًا تكون على أتم خير وأعظم، فهكذا تكون غير خاسر وغير مغبون في صحتك وفي فراغك.
فالإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يكون خاسرًا مغبونًا في يومه أكثر منه من أمسه، فهذا قد وضحت خسارته وظهر حرمانه والعياذ بالله تعالى – وإما أن يكون هو في يومه كمثله في أمسه؛ فهذا أيضًا خاسرًا لو تأملت، لأنه لابد له أن يكون في تقدم وفي ازدياد، ولكنَّ خسارته دونَ الأول.
وإما أن يكون هو في يومه خيرٌ منه في أمسه فهذا هو الرابح وهذا يتفاوت بحسب الهمم العالية وبحسب ما ألقى الله جل وعلا في قلب العبد من العزيمة الصادقة حتى قال - صلوات الله وسلامه عليه -: ( إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ) رواه الطبراني في المعجم. أي أن الله جل وعلا يحب من عبده أن يكون متعلقًا بمعالي الأمور، ولا ريب أن هذه المعالي لا تنال - بعد توفيق الله - إلا بالعزيمة الصادقة وبالهمة العالية.
لا بد من إعداد رسم بياني أو برنامج لما عليك القيام به كل يوم أو كل أسبوع أو شهر، مبينا عليه ما قمت به، وليكن هذا الرسم أو البيان قريبا منك ومعلقا على جدار غرفتك بحيث يسهل عليك أن ترى من خلاله مدى تقيدك بما حددته، ومدى تقصيرك في تنفيذ الهدف.
ولا بأس أن يكون الإنسان مضطرًا أحيانا لإدخال بعض التعديلات، فذلك منطقي فما دام الإنسان لا يعلم الغيب ولا يمكنه أن يتوقع ما قد يحدث له في اليوم أو الغد فيؤثر على برنامجه، لكن يجب الحذر من أن يقف مدهوشا أمام تلك الأحداث والتعديلات.
إن تحديد الموعد لإنجاز عمل ما يعني استهداف التنفيذ في هذا الموعد بالضبط. على أنه ينبغي عليك عند تحديد موعد الإنجاز وذلك بأن تأخذ طاقاتك وإمكاناتك وظروفك بعين الاعتبار، فلا تجعل هدفك قريبا حتى الاستهانة، ولا بعيدًا جدًّا حتى الاستحالة..
ومن ثم يوحي بضعف الثقة في النفس وانعدام العزم، وتأكد أنك تنبهت إلى جميع الصعوبات والعوائق المرتقبة في إطار الأهداف الأخرى في الفترة ذاتها.
إنك بهذه الطريقة في التخطيط والتنفيذ يكون لك جدول زمني للأعمال التي تنوي القيام بها، وإذا كان عملاً كبيرًا يتطلب وقتا طويلاً كحفظ أحزاب من القرآن الكريم أو حفظه كله أو غيره مما يحتاج وقتا طويلا... قسِّم هذا العمل إلى أجزاء يمكنك إتمامه عبر مراحل، ثم بادر بعد ذلك إلى تنفيذ الخطوات الأخرى، واحدة تلو الأخرى، وقد يكون تحقيق هذا الهدف يتطلب خطوات مختلفة ليست كلها ذات أهمية واحدة، وهنا تأكد أنك تنفذ الخطوات بحسب أولوياتها وبحسب أهميتها مبتدءًا طبعا بأكثرها أهمية حتى أدناها، وهو ما يسمى بفقه الأولويات، ومن شأن مثل هذا التنظيم أن يدفعك إلى متابعة التنفيذ بدقة وإلى الحماس والاندفاع.
إن كل خطوة تنقلك إلى الخطوة التي تليها.
وبوسعك خلال ذلك أن تتأكد من حسن سيرك في التنفيذ، وهنا قد تجد أنك ربما سبقت المنهج الموضوع قليلا، أو أن عقبات حالت دون الوصول إلى المرحلة المسجلة على الجدول في الوقت المحدد، وعند ذاك بوسعك أن تدخل التعديلات المناسبة من إسراع في التنفيذ أو إبطاء، أو من تعديل المواعيد.
إن منهاجك هذا الذي وضعته يجب أن يكون مرنا قابلا للتعديل بسبب انتقالك من عملك مثلا أو الخروج في رحلة أو عطلة أو عارض كمرض - عافاك الله تعالى -.
إن الأمر المهم في هذا التنظيم أو الأساس الذي يجب أن يستند إليه هو أنه عليك أن تعمل الآن، فلا تؤجل عمل اليوم إلى غد، والزم قول الشاعر البارودي:
بادر الفرصة واحذر فواتها *** فإنما نيل العز في الفرص
وقبل هذا وذاك الزم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما.
إنه بمثل هذا الأسلوب يمكنك أن تملأ فراغك، وتستفيد من يومك الذي يقول عند كل فجر: ( يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ). إنه بمثل هذا الأسلوب تبعث الحياة في وقتك، وبالتالي ينبغي ألا يكون لك أي وقت مهما قصر تشعر فيه أنه ليس لديك ما تعمله، إنه بهذا الأسلوب في تنظيم الوقت تنشط وتتخلص من الملل الذي يشكو منه كثير من عباد الله، وتأكد أن من لا يحسن وقت الراحة لا يحسن قطعا وقت العمل.
فبهذه التقدمة فإنه يحتاج منك أن تنظر في كيفية ترتيب الأوقات انطلاقًا من صلواتك المفروضة، فتجعل صلواتك الخمس هي أساس انطلاق نظامك اليومي، فإذا صليت الفجر مثلاً فأنت في العادة ربما أخذت مضجعك لترتاح قليلاً قبل أن تقوم إلى دراستك، وربما بقيت بعد الفجر ذاكرًا لله جل وعلا وتقرأ شيئًا من القرآن، ثم بعد ذلك تنطلق إلى شأنك وإلى دراستك، فهذا إن أمكنك فهو خير لك، ولكن يقتضي منك أن تكون قد أخذت قسطًا كافيًا من النوم في الليل؛ فالسهر في غير موضعه أمر يضر البدن ويضر الوقت كذلك، لأنه يحملك على أن تكون في النهار خاملاً قد أصابك الكسل وذهب نشاطك، بينما إن ذهبت إلى مضجعك مبكرًا بعد ما أديت ما عليك من الشؤون فإنك حينئذ تظفر بقوة النشاط في نهارك، ولذلك كان - صلوات الله وسلامه عليه – يكره السهر بعد صلاة العشاء إلا من حاجة، فثبت عنه - صلى الله عليه وسلم – أنه كان يكره النوم قبلها ويكره الحديث بعدها، وهذا فيما غير حاجة – كما تقدم –
والحديث في ذلك ثابت عنه - صلوات الله وسلامه عليه – فأفضل أحوالك أن تبدأ يومك بصلاة الفجر ثم بعد ذلك تنطلق في حفظ شيء من كتاب الله جل وعلا إلى أن تتهيأ للخروج إلى دراستك ثم تذهب فتبذل جهدك في تحصيل العلم النافع الذي يعود عليك بالخير في دينك ودنياك وتجعل ذهنك مركزًا على فهم ما يُقال لك في الدرس؛ فإن هذا يعينك ويوفر عليك الوقت، والحذر من شرود الذهن وسرحان البال.
وإن وجدت نفسك في بعض المحاضرات لديك وقتٍ كافٍ لأن تطالع فيه شيئًا من العلوم فحينئذ خير ما تقوم به أن تراجع ما تقدم من محفوظاتك من كتاب الله جل وعلا، فبهذا تبتدئ بحفظ القرآن العظيم مبتدئًا به بعد صلاة الفجر وأيضًا في أوقات الفراغ التي تظفر بها عندما تكون في وقت دراستك، فهذا يجمع لك فرصة عظيمة لأن تكون قد حصلت قسطًا من حفظ كتاب الله جل وعلا في يومك قبل أن تأتي ليلته، ثم إذا رجعت إلى بيتك أخذت قسطًا من الراحة وبعد ذلك انطلق وقتك من بعد صلاة العصر أو المغرب، بحيث تنظم أمورك بأن تبدأ بمراجعة دروسك وتقييد المشكل منها لتسأل عنه، وتقييد الفوائد، وتقييد القواعد المهمة التي تحتاج إلى استذكار وحفظ، مع الإشارة إليها في دفتر خاص.. ثم بعد صلاة المغرب تبدأ كذلك في حفظ محفوظاتك من كتاب الله جل وعلا وتجعل لك نصيبًا من المدارسة العلمية في حلقة لتدريس العلم النافع، فإن أمكن أن يكون لك شيخ تدرس عليه بعض العلوم كأن تبتدئ بالعقيدة وكذلك تعلم الأحكام الشرعية الفقهية التي تصلح من صلاتك وطهارتك وعباداتك وصيامك وغير ذلك من الأمور التي تعرض لك كثيرًا في يومك وليلك، فهذا هو الذي ينبغي أن تبتدئ به، ولاسيما إن أخذت في ذلك كتابًا منهجيًّا تبتدئ منه من أوله حتى تنهيه فبذلك تحصل جملة صالحة من الفقه من كتاب مختصر، وهذا يحتاج فيه أن ترجع إلى بعض الشيوخ الكرام الذين يمكن أن يدرسوك، فإن لم يمكن ذلك وتعسَّر أو صعب أن يكون لديك شيخٌ يدرسك فعليك بأن تطلب ذلك من خلال التسجيلات الصوتية والتي توجد في المكتبة الصوتية بالشبكة الإسلامية مجموعة صالحة منها، فتختار دروسًا علمية تتعلق بالعقيدة كشرح العقيدة مثلاً، وكشرح كتاب التوحيد، فتبدأ ذلك بهذين الكتابين في العقيدة، وتبدأ كذلك بمختصر نافع في الفقه الذي يعلمك الأحكام الشرعية فيصبح لديك تحصيل لحفظ كتاب الله وغيره من العلم النافع من العقيدة والفقه، فبذلك تسير سيرًا رفيقًا هادئًا في تحصيل العلم الشرعي وكذلك تحصيل دراستك التي لابد لك منها ثم يكون لك تنظيم لأوقات راحتك – كما أشرنا – وكذلك في مخالطتك الاجتماعية، فهذا لا يعني أن تلغي الصحبة الصالحة ولا يعني ألا يكون لك مشاركات اجتماعية مع أقاربك وأرحامك والجلوس مع أهلك ووالديك وأخواتك، فكل هذا يحتاج منك إلى نظرٍ وإلى وقت تبذله فيه، ولكن تبتدئ بهذه القاعدة العظيمة وهي أن تجعل الصلوات الخمس منطلقًا تنظم منه وقتك، فتستطيع بذلك أن تجعل للزيارة الاجتماعية وقتًا وأن تجعل لجلوسك مع والديك وأسرتك وأهلك وقتًا، ولمذاكرة الدروس وقتًا، ولتحصيلك العلم الشرعي وقتًا آخر، فكل ذلك بالترتيب الذي قد أشرنا إليه، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه ونسأل الله لك التوفيق والسداد وأن يجعلك من عباده الصالحين.